الأحد، 24 نوفمبر 2024

دور قانون عدم التناقض في اكتشاف العقيدة الصحيحة (1)

 

يقولون ان دراسة المنطق تصحح التفكير لدى دارسه وتأخذ بيده نحو بر الأمان .

مهما كانت أمواج الأفكار عاتية فمعه آلة السباحة التي بها ينجو من خطر أي موجة كانت .

لكن بعد ظهور شخصيات درست المنطق وتعمقت فيه ومع ذلك لم تستطع الصمود أمام تيارات الأمواج العاتية فجرفتها في مسارها .. أصبح البعض يشكك في مدى فائدة مثل هذه الآلة.


لكن الحقيقة ان من يشكك لم ينتبه إلى أن الآلة ليست كل شيء فليست العلة التامة للنجاة ..

فمن يملك آلة النجاة لكنه لا يحسن استخدامها فسيعرض نفسه للخطر قطعا .. أو من يملكها لكنه يتوهم أنه يستطيع العبور بدون آلة ثقة في قدراته الذاتية فلن يكون أفضل حالا من سابقه إن لم يكن أسوأ .



السؤال الأهم هنا .. لماذا أكون تابعا في أفكاري ومعتقداتي لمزاج الآخرين وتقلباتهم ؟!!


لماذا أبني أفكاري طبقا لأفكارهم ولما يقولون ؟!


فتارة الهث خلف مفكر غربي وتارة أديب روسي وتارة فيلسوف شرقي!!


مع أن المفتاح معي وفي يدي !!!


صدقني لا تحتاج لدراسة معمقة في المنطق لكي تصل إلى الحقيقة .

لا تصغ لمن يقول لك لا بد من دراسة ما لا يقل عن عشرة كتب في المنطق حتى تصل إلى القدرة على تكوين أفكارك الخاصة وتصل إلى مقام محاكمة أفكار الآخرين .


الحقيقة أبسط من ذلك بكثير .


أما التعمق فكثيرا ما يكون تضييعا للعمر لا غير .


فحتى علم النحو هناك من يدعو للتعمق به ودراسة عشرين كتابا فيه فيظل البعض يدرسه على مدار سنوات طويلة وفي النهاية لا يجني شيئا ذا بال .


كل من يميل لعلم يزين لغيره أنه افضل العلوم وأهمها ويلقنه ان لا يكترث إذا ما أنفق سنوات طويلة في دراسته.


دعك من كل ذلك .. وكن أوثق ما تكون بنفسك لأن معك بالفعل مفتاح النجاة ولا تحتاج لغيره .


فلتنظر لنفسك فهل ترى لها وجودا أم لا .. قطعا ستكون إجابتك الأولى وأن لك وجودا وإلا كيف تتحدث معي وأتحدث معك ؟!!


هذه أول خطوة في الطريق الصحيح .


السؤال الآخر هل من الممكن أن تكون موجودا ولست موجودا في نفس الآن ؟

تمهل لا تغضب ولا تسخر من أسئلتي ..


أعلم اجابتك وهي النفي قطعا .


وهذه هي الخطوة الثانية.


وهذا ما يعبرون عنه باختصار (مبدأ عدم التناقض)

فلا يمكن أن يكون شيء موجودا وغير موجود في نفس الآن .

وهذا مبدأ جميع الأفكار الصحيحة وإليه ترجع وبه تستطيع تمييزها عن الأفكار الخاطئة .


 تسألني أسئلة ساذجة ! يعلم إجابتها الأطفال !

فأنا موجود ويستحيل أن أكون موجودا ومعدوما في الآن نفسه ..

وأنا أعرف معنى هذا .. إنني لم أوجد نفسي لأني كنت عدما والعدم لا شيء لذا لا يمكن أن يكوّن شيئا .. هذا مفروغ منه .

فهناك قوة أخرى عالية أوجدتني وهي التي تعلم تفاصيل وجودي وتملك زمامه لأنني لا أعلم كثيرا من تفاصيل كياني ولا أستطيع أن أتحكم في وجود نفسي .


فمن البديهي وجود قوة أخرى غيري أوجدتني ليست مثلي في الاحتياج للوجود .


لكن السؤال الذي أريد معرفة إجابته .. من هو الذي أوجدني وكيف أصل اليه وأتواصل معه ؟


لا تقلق بما أنه أفاض عليك الوجود فنعرف من هذا انه كامل مطلقا ويعني هذا ان فيه جميع صفات الكمال لأن من يكون ناقصا يكون مثلنا يحتاج إلى من يكمله فيكون مخلوقا .. ومعطي الوجود لا يكون فيه نقص أبدا لأن من يعطيه لا يكون محتاجا في وجوده لغيره فوجوده ذاتي على عكس وجودنا.


لذا أي لأنه كامل مطلقا فنعلم من هذا انه لا يفعل شيئا بدون حكمة من ورائها .. 

ولأننا من تلقاء أنفسنا لن نصل إلى هذه الحكمة فمن الضروري أن يدلنا عليها .. وهذه الضرورة هي لازم حكمته .


إلى هنا علمنا مبدأين عبرهما نستطيع أن نكتشف الحقيقة كاملة .

مبدأ عدم التناقض

ومبدأ الكمال المطلق للخالق تعالى .


وجودك ووجود الخالق تعالى أثبتناهما عبر المبدأ الأول .

ووجودنا بصورة تلقائية يثبت وجود الخالق تعالى وإلا نقضنا المبدأ الأول .


وعرفنا صفات الخالق تعالى من أنه حي وعالم وقادر وحكيم وجميع صفات الكمال من مبدأ عدم التناقض أيضا .. لأنه لو لم يكن كاملا لكان مخلوقا وليس خالقا ولما وجد مخلوق أبدا .


فوجودنا يثبت وجود الخالق تعالى وكماله أيضا .


أما معرفة الغاية من خلقنا وكيفية الوصول إليها فهذا يكون عبر المبدأ الثاني وهو الكمال المطلق لله تعالى .

فلأنه كامل مطلقا فلازم كماله أن يعرفنا على غاية خلقنا ولماذا خلقنا لذا نجده تعالى أرسل رسلا وأجرى على أيديهم ما يعجز غيرهم عن الإتيان به ليدلنا على أنه من أرسلهم إلينا .. وبما أن ما يصدر عنهم لا يستطيع غير الخالق تعالى فعله علمنا أنهم مرسلون من قبله قطعا.


ولا يمكن أن يسمح بصدور تلك المعجزات من غير مرسل من قبله لأن هذا يستلزم النقص وقد ثبت أنه كامل مطلقا .( لأن مثل هذا الفعل يكون فاعله إما ظالما أو جاهلا أو عاجزا أو عابثا وجميع هذه الصفات صفات نقص لا يتصف بها الكامل المطلق ) .


ثم بعد رحيل الرسل لا بد من تعيين من يحفظ لهم الرسالة من الاختلاف والفهم الخاطئ ويبينها لهم كاملة غير منقوصة .. وهم من نعبر عنهم بالأئمة وخلفاء الرسل صلوات الله عليهم .


ومن الضروري أن يكون تعيينهم من قبل الخالق تعالى لا من قبل الناس .. لأن الناقص لا يمكن أن يعرف الكامل وإلا لكان خلاف ما فرضناه فيه من النقص .


فالإمام لابد وأن يكون عالما بمراد الله تعالى وبتفاصيل كل صغيرة وكبيرة في الشريعة الإلهية والكتاب الإلهي وسالكا سبيله مطلقا .. وهذا من الضروري أن يكون مختارا ومؤيدا من قبل الله تعالى .. وإلا لا يأمن أن يضل الناس من حيث يريد هدايتهم .. وهذا يوصلنا إلى نفي الكمال المطلق الذي ثبت لله تعالى .


ولما ثبت أن ارسال الرسل وتعيين خلفائهم لازم كماله المطلق وجب معرفتهم واتباعهم.



فانظر كيف وصلنا إلى هذا عبر ذينك المبدأين العظيمين .


ولم تحتج لدراسة طويلة ولا معمقة لعلم المنطق كما يزعم أولئك المتوهمون .


الخلاصة .

ان المبدأ الثاني (الكمال المطلق لله تعالى) تم استخلاصه من المبدأ الأول (عدم التناقض) ..

لأن وجودنا يدل على أن من أوجدنا لا يماثلنا في النقص والاحتياج للوجود وهذا يعني كماله المطلق .

والكامل المطلق فعله دائما كامل لا نقص فيه (لأن الفعل الناقص يدل على صفات النقص من العجز والجهل وما شابه وهذا ينافي الكمال المطلق) .

وبناء على هذا فلازم كماله أن يدلنا على الهدف من خلقنا وكيفية تحقيقه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق