من المغالطات
الشائعة والتي يروجها البعض للأسف -غالبا بدون علم - أن الفلسفة والعلوم العقلية لم
يعتمدها أهل البيت عليهم السلام وأنهم نهوا عنها .. لكن هذا الزعم عار تمام عن الصحة
.. كيف وكثير من آيات القرآن الكريم
والأحاديث الشريفة تعتمد على المباديء العقلية والإستدلال البرهاني العقلي
على عجالة سنشير إلى بعض تطبيقات الأصول العقلية
والمبادئ التصديقية البديهية
التي
وردت في القرآن الكريم وأحاديث أهل بيت الحكمة عليهم السلام
من المبادئ
العقلية الاساسية والبديهية والتي هي اساس اي برهان ولولاها لانعدم طريق العلم والوصول
إلى اي حقيقة ولما ميزنا بين الحق والباطل والصحيح والخطأ والواقعي والوهمي : مبدأ
عدم اجتماع النقيضين .. وأن لكل معلول علة .هذان مبدأن عامان واساسيان واليهما ترجع
جميع استدلالاتنا خاصة المبدأ الأول واليه يعود المبدأ الثاني
لنرى كيف اعتمدهما
القرآن الكريم في استدلالاته البرهانية ونكتفي بمثال واحد .
قال تعالى في سورة
الطور " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون "
هنا برهان عقلي خالص
.. يعتمد على مبداي العلية وعدم التناقض
فالله الحكيم تعالى
شأنه لا يريد منا اتباعا بلا علم .. كم علمنا وحثنا على اتباع الدليل والبرهان وأن
لا نكتفي بالظنون والأوهام
كما قال جل شأنه
" لا تقف ما ليس لك به علم " وكقوله تعالى " ان يتبعون إلا الظن .."
وكقوله سبحانه "
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " وكقوله جل وعز " قل هل عندكم من علم
فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ..".. إلى غيرها من الآيات الكثيرة التي
تدعوا الإنسان إلى اتباع العلم والبرهان والدليل بطلب العلم ودراسته وإعمال فكره .
في الآية الكريمة
مورد البحث .. الله تعالى يورد لنا البرهان قبل طلب الإيمان لما يريده منا ..
فيقول لمن يتوهم وجودا بلا موجد ومخلوقا بلا خالق أن الموجود المخلوق لا يخلو إما
أن يكون أوجد نفسه أو وجد هكذا بلا علة أو أن تكون علته مثله من المخلوقات وجميع
هذه الاحتمالات باطلة فلم يبق غير الاحتمال الأخير وهو أن موجدا غيرهما متعال
عنهما أوجدهما
فالإحتمال الأول يتنافى
مع قانون عدم التناقض إذ كيف يجتمع العدم والوجود معا
فالمخلوق كان عدما
فكيف اوجد نفسه مما يعني أنه كان معدوما وموجودا في نفس الآن وهو محال .
والإحتمال الثاني
مستحيل أيضا لأنه يضاد قانون العلية .. وأن لكل معلول علة ولكل موجود موجدا ..
فالطفل الصغير لا يقنع أبدا مهما حاولت إقناعه أن الكرة التي رميت أمامه جاءت هكذا
بدون رام !! فكيف بما هو أعظم وأعظم ؟!!
وأيضا يضاد قانون عدم
التناقض فكيف عدم أي لا شيء يوجد منه شيء !!
والإحتمال الثالث
كسابقيه .. فغيره مخلوق أيضا مثله أي لا يملك وجوده فكيف يفيض الوجود على غيره ؟! فليس
بعلة للإيجاد مما يعني ان فرض مخلوق مثله خلقه يتنافى و قانون العلية وكذلك قانون
عدم التناقض .
وما خالف هذين
المبدأين فهو وهم وباطل فلم يبق غير الإحتمال الأخير ولا بد من الإذعان له .. وهو
أن من اوجد المخلوق خالق متعال يفيض الوجود على كل شيء
وهو ربنا جل وعلا
الذي علمنا كيف نصل إليه .
ولنعرض أمثلة نمر
عليها سريعا وردت في أحاديث أهل بيت الحكمة صلوات الله وسلامه عليهم .
منها
ما استدل به الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه في حواره مع سليمان المروزي على حدوث
الارادة " الا تعلم ان مالم يزل لا يكون
مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة " فهنا يقرر سلام الله عليه بان الحدوث والقدم
لا يجتمعان لانهما نقيضان ومبدأ عدم التناقض يقرر ان النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان
فلايمكن ان نقول عن شيء انه حادث وقديم في نفس الآن .. أو ان شيئا موجودا ومعدوما كذلك
. وكقول إمامنا الصادق عليه السلام في حواره مع احد الملحدين " اذ لم يكن بين
الاثبات والنفي منزلة " اي اما ان تثبت الشيء او تنفيه ولا واسطة او شيء ثالث
بينهما .. وهذا هو عين المبدأ الثالث المرفوع أو الوسط الممتنع الذي تعتمد عليه الفلسفة
في براهينها واستدلالاتها .
ايضا
ورد أن رجلا ذهب للإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه فقال له: يا ابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم؟
قال: أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك
هذا
الاستدلال المحكم الوارد عن إمامنا صلوات الله وسلامه عليه يشتمل على المبداين : مبدأ
عدم التناقض ومبدأ العلية
بل يشتمل
على أكثر من مسألة عقلية
لكن
لن نفصل فيها لان بعض المسائل تحتاج لشرح طويل
انت
لم تكن ثم كنت .. فلا يمكن ان تكون أوجدت نفسك " وقد علمت أنك لم تكون نفسك"
حيث هنا يجتمع النقيضان فكيف تكون معدوما وتوجد نفسك معنى هذا انك كنت موجودا ومعدوما
في آن واحد وهذا محال
وقد
علمت انك لم تكون نفسك .. تقرير لمبدا العلية معنى ذلك انه لا بد من وجود علة اوجدتك
ولا يمكن أن تكون أنت لان ذلك يخالف المبدأ الاول مبدا عدم التناقض " " ولا
كونك من هو مثلك " فمن هو مثلك تجري عليه نفس المبادئ العقلية فيستحيل ذلك لاجتماع
المتناقضين أيضا ..
فللمسألة
ثلاثة احتمالات لا رابع لها : اما ان تكون اوجدت نفسك وتم ابطاله واما مثلك من كونك
وثبت بطلانه فلم يبق الا الاحتمال الاخير وهو ان موجدا غيركما متعال عنكما هو من أوجدكما
هذا
الاستدلال مهم جدا ويشتمل على عدة مسائل فلسفية ربما نعود اليه مرات اخرى
وهو نفس الإستدلال الذي
ورد في الآية الكريمة سابقة الذكر
·
كان هذا عرضا سريعا ومختصرا جدا الهدف منه اثبات ان القرآن الكريم
وأهل البيت عليهم السلام – وهم اهل الحكمة وأصولها – قد اعتمدوا على هذه المباديء
التي هي اساس الفلسفة والعلوم العقلية .
فإن كان الفلاسفة يعتمدون ما أعتمده القرآن الكريم وأهل البيت عليهم
السلام فكيف تنكرون عليهم ذلك ؟!!
و قد رأيتم بأم أعينكم كيف أن أهل البيت عليهم السلام استخدموها واعتمدوا
عليها في اثبات الحق وكشف الباطل .
أما ما ورد عنهم عليهم السلام في ذم الفلسفة .. فإنما هو ذم خاص بمن
انتهج النهج الفلسفي مستقلا بذلك عنهم عليهم السلام .. تماما كما قال ربنا جل وعلا
عن قوم استقلوا بعلومهم عن رسل الله تعالى " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات
فرحوا بما عندهم من العلم " .. فهذه الروايات على وزان هذه الآية الكريمة ..
فمن يستقل عنهم عليهم السلام ويرى أن في الفلسفة الحق الصريح وانه بها وحدها يصل
إلى الحقائق مستغنيا بذلك عن القرآن الكريم والعترة الطاهرة فقد خالف الحق الثابت
بالبرهان بل وقع في دائرة الشرك بالله جل جلاله .
على أن قول إمامنا الصادق عليه السلام في توحيد المفضل " فتبا وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة "
ماهو الا مدحا للفلسفة لا ذما لها .. فالذم هنا لمن انتحل الفلسفة ولم
يكن من أهلها .. والشاهد السياق الذي ورد فيه هذا النص .. فالإمام عليه السلام يذم
منكري الصانع ممن تقمص الفلسفة وليس من أهلها
" فتبا
وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة، حتى أنكروا التدبير
والعمد فيها الخ "
حيث من المعلوم أن الفلاسفة لا ينكرون التدبير بل يثبتونه .. فثبت أن
هذا الكلام موجه لمن انتحل الفلسفة ولم يكن من أهلها .. ومن ادعى الفلسفة ومع ذلك
انكر الصانع فليس فيلسوفا حقا وإنما متفلسف ومدع لا غير .
بل لنا أن نقول أن توحيد المفضل شاهد لمقالتنا ودليل حق لما ادعينا
ساستشهد بمثال واحد لوضوحه للجميع :
" وأعجب
منهم جميعا ( المعطلة ) الذين راموا أن يدركوا بالحس ما لا يدرك
بالعقل ، فلما أعوزهم ذلك ، خرجوا إلى الجحود والتكذيب
، فقالوا ولم لا
يدرك بالعقل ؟ قيل لأنه فوق مرتبة العقل ، كما لا
يدرك البصر ما هو فوق
مرتبته . . فإنك لو رأيت حجرا يرتفع في الهواء علمت
أن راميا رمى به ، فليس
هذا العلم من البصر ، بل من قبل العقل ، لأن العقل
هو الذي يميزه ،
فيعلم أن الحجر لا يذهب علوا من تلقاء نفسه . .
أفلا ترى كيف وقف البصر
على حده ، فلم يتجاوزه ، فكذلك يقف العقل حده من
معرفة الخالق فلا
يعدوه ، ولكن يعقله بعقل أقر فيه نفسا ولم يعاينها
، ولم يدركها بحاسة من
الحواس . على حسب هذا أيضا نقول : إن العقل يعرف
الخالق من جهة توجب عليه الاقرار ، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته "
والمراجع لمحاورات الأئمة عليهم السلام مع المخالفين يعلم أن ما ادعاه
البعض محض توهم لا أساس له .
واسال الله تعالى أن يوفقني لإكمال هذا البحث حيث يحتاج لإفراد كتاب
كامل له وهو ولي التوفيق .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
سلام عليكم
ردحذفلو سمحتم هل بامكانكم مراسلتي
Alloush.pro2002@gmail.com