بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل
على محمد وآل محمد
*****
لا يُعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله
بداية الحق في اللغة
هو الأمر الثابت بلا شك " فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون " – كما في المعجم الوسيط , ونفس المعنى في معجم الفروق اللغوية
.
· * ان هناك حقا ثابتا دائما لا يتغير
ويمكن إدراكه والوصول إليه
بخلاف من أنكر ذلك كالسفسطائيين ( الذين أنكروا الواقع والحق راسا ) أو
أثبته وادعى نسبيته.
· * ان هذا الحق علامته أنه لا يتغير من حال إلى حال بل دائما يتعالى عن
الزمان والمكان والشخصيات والا لو لم تكن هذه سماته لما أمكنا أن نعرف أهله .. فلو
كان الحق يتغير من زمان لزمان ومن مكان لمكان مثلا لما أمكننا أن نجعله ميزانا
لمعرفة من هو على الحق من غيره ؛ بل لانتفى شيء اسمه باطل واصبح كل فكر وعقيدة
وسلوك حقا .. المقبول منها وغير المقبول ..الحسن والقبيح بل لانتفى القبح ايضا
حينذاك وبالتالي انعدم الفرق بين الملاك والشيطان والتقي والفاسق والقاتل والمقتول
وهكذا .. اذ كل له ملاكه وميزانه الذي يزن به ما يريد فلا ميزان ثابت ولا حق دائم
. ولما كان للشرائع والأخلاق والقوانين أية قيمة .
فلا يمكن قبول فرض أن الحق يتغير .. لذا قال إمام الحكماء صلوات الله
عليه "لا يعرف الحق بالرجال " إشارة إلى ثبات الحق وديمومته فالرجال قد
يتغيرون من زمان لزمان ومن مكان لمكان بل من حالة لأخرى ومن فترة عمرية لفترة
عمرية أخرى .
· * والذي يصدق عليه أنه حق وأنه ميزان ثابت دائم لا يتطرق إليه شك أصلا
هو المبدأ العقلي ( عدم التناقض ) .. فهذا المبدأ هو الحق الذي ترجع إليه كل حقيقة
وبه نميز بين الحقيقة والبطلان سواء على مستوى الفكر أو على مستوى معتقدي الفكر .
فعلى المستوى الفكري نزن به الأفكار فما وافقه كان حقيقة وما خالفه
كان باطلا .. وبالتالي نستطيع التمييز بين المعتقدين ايهما على حق وايهما على باطل
.
· *هذا المبدأ العقلي انما هو ميزان على المستوى البشري ككل .. فهو مبدأ
عام تأتي بعد ذلك مبادئ خاصة بكل طائفة بشرية يتسالمون عليها واليها ترجع
استدلالاتهم وبراهينهم ( بغض النظر عن صدقها أو كذبها –فهذا ما يتكفل به المبدأ
العقلي الأولي العام -) على المستوى الإسلامي لدينا دائرتان لكل دائرة مبادئ أولية
تعتمد عليها : الدائرة الإسلامية العامة ولديها مبدآن : القرآن الكريم وسنة الرسول
صلى الله عليه وآله . والدائرة الخاصة ولديها أيضا مبدآن : القرآن الكريم وسنة
المعصوم صلوات الله عليه .
· * ولكل من المبدأين شروط لتحقق سلامة الميزان من أي تطيق خاطئ
· * مثال على كيفية الإعتماد على مبدأي القرآن والسنة في الإستدلال على أن
أهل البيت عليهم السلام لديهم علم كل شيء.
القرآن الكريم يصرح بأنه تبيان لكل شيء " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " " ما فرطنا في الكتاب من شيء "
ثم قال " ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " ثم بين أكثر عمن يكونوا هؤلاء " لا يمسه الا المطهرون " وزيادة في البيان " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت
ويطهركم تطهيرا " وبتحديد أكثر
" فمن
حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم
وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين "
واتفق أهل الحديث والتاريخ على مصاديق هؤلاء المشار اليهم في الذكر
الحكيم وأنهم كانوا خمسة لا أكثر ( الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام علي
والسيدة فاطمة والإمام الحسن والإمام الحسين صلوات الله عليهم أجمعين )
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث المتواتر عند الطرفين
" إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله
وعترتي أهل بيتي "
فتبيان كل شي في القرآن الكريم وعلم القرآن الكريم لدى أهل البيت
عليهم السلام فثبت أن لديهم تبيان كل شيء .
· * مثال آخر على كيفية الوصول إلى الحقيقة عن طريق الاعتماد على المبدأ
العقلي ( مبدأ عدم التناقض )
مسألة الإمامة .. فلو لم يعين الله ائمة بعد النبي لانتفت صفة الحكمة
في الله تعالى والتالي باطل فالمقدم مثله .
توضيح ذلك : ان الله تعال ارسل رسوله لهداية الناس لله تعالى وضمان
سعادتهم في الدنيا والآخرة وبعد رحيل الرسول ستختلف قطعا أمته من بعده وسيؤدي هذا
الإختلاف إلى ضياع جهود الرسول وبالتالي ستتفرق الامة أحزاب وجماعات كل يدعي ان
الحق معه فلا يوجد ميزان أو حجة عملية يرجعون إليها ويستحيل أن يصل الناس إلى
الحقيقة كما أرادها الله تعالى ..
وليس هذا من حكمة الله تعالى ولا يمكن أن يترك الله خلقه هكذا بدون
هاد يوصلهم إليه ؛إذ الحكيم تعالى منزه عن العبث جل شأنه وتقدست اسماؤه فثبت أن
تعيين أئمة بعد النبي مقتضى الحكمة الإلهية وتنزيها له سبحانه عن العبث واللهو
تعالى الله علوا كبيرا .
الخلاصة : أن عدم تعيين أئمة من قبل الله يستلزم نقض أصل الحكمة الإلهية
ونسبة العبث واللهو له تعالى وهذا محال وما استلزم المحال فمحال .
· * مثال آخر على كيفية الإستفادة
من المبدأ العقلي الأولي في معرفة الحقيقة
هناك مسألة هامة تبحث في الفلسفة وهي مسألة اصالة الوجود أو الماهية
فهذا الكأس الذي أمامي – مثلا – نقول عنه أنه كأس موجود .. فلهذا
الكأس نحوان من الوجود : وجود خارجي ووجود ذهني .. في النحو الأول ليس هناك إلا
شيء واحد وهو الكأس , أما في النحو الثاني فهناك شيئان ( مفهومان ) الكأس ووجوده
.. حيث نستطيع أن نقول الكأس موجود وغير موجود .. فالكأس كزجاج بهذه الصورة
الخارجية نسميه ماهية .. هذه الماهية هل هي موجودة أم غير موجودة؟ نعم هي موجودة
فأنا أراها الان أمامي اذن هي موجودة .
هذه الماهية ( الكأس ) متى نستطيع استعمالها ( شرب الماء فيه مثلا ) والجواب عندما تكون موجودة فإذا لم تكن
موجودة لا نستطيع استعمالها
اذن تبين ان الوجود هو من يعطي الماهية اثرها فلولاه لانعدمت ولم يكن
لها أي اثر لأي استعمال . ماذا يعني ذلك ؟
أن الوجود هو الاصيل أي أنه السبب في ان يكون للماهية اثر وفعلية
وهذا هو الحق في هذه المسألة .
من يقول أن الماهية هي الاصيلة أي ان الآثار والفعلية مترتبة عليها هي
لا على وجودها , فلو لم تكن هناك ماهية أي لو لم يكن هناك كاس لما كان هناك أي اثر
له .. فالفعلية ومنشأ الاثر إنما للماهية ذاتها .
والمثبت لأصالة الماهية يقع في التناقض من حيث لا يشعر .. توضيحه :
ان الماهية مستوية النسبة إلى الوجود والعدم فإذا كانت هي الاصيلة وهي
منشأ الاثر فلا يخلو إما أن تكون موجودة بنفسها أو بغيرها ؛ إذ تحقق الفعلية لها
لا يكون إلا بالوجود فإما أن يكون وجودها بنفسها أو بغيرها ؛ فإذا كان بنفسها فهذا
محال لاستلزامه التناقض واجتماع الوجود والعدم معا .
وإن كان بغيرها فلا يخلو إما أن يكون ماهية أو وجودا فإن كان الأول
فيأتي نفس البيان آنف الذكر ؛ وإن كان الثاني ثبت المطلوب .
الخلاصة : أن القائل بأصالة الماهية إما أن يلتزم بالتناقض في ماذهب
إليه أو أن يقر بأصالة الوجود .
ان شاء الله نأتي بأمثلة تطبيقية اخرى
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق