الثلاثاء، 24 مارس 2015

قوانين الفكر الاساسية

بسم الله الرحمن الرحيم



التفكير .. سمة الإنسان الاساسية , وبتعبير المناطقة صفة ذاتية بها قوام الإنسان بما يعني أن الإنسانية تشتد أو تضعف حسب قوة أو ضعف القوة العاقلة ..
لذا قالوا أن ادراك الإنسان يمر بأربعة مراحل بدءا من ولادته : المرحلة الحسية .. حيث يبدا التعرف على العالم الجديد من حوله عن طريق حواسه السمع والبصر وباقي الحواس

المرحلة الخيالية : وفيها يترقى قليلا ويبدأ باختزان ما يدركه بحواسه ويسترجعه متى أراد
المرحلة الوهمية : وهنا ينضج أكثر ويدرك بعض المعاني المجردة جزئيا عن المادة وصورتها كإدراكه لحب ابيه وامه.
المرحلة العقلية : وهي المرحلة التي يبدأ منها الإنسان رحلته الإنسانية ويصبح إنسانا مفكرا .
فيبدأ يفكر ويحلل ويحاول اختيار أفضل الأجوبة والحلول لما يواجهه من مشكلات فكرية أو اجتماعية .
ولأن الإنسان في محاولاته الفكرية هذه قد يخطيء ويصيب حاول كثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين وضع قوانين وتنظيم قواعد تحفظ تفكير الإنسان من الخطأ وبالتالي يكون  تفكيره دائما صائبا وموافقا للحقيقة .
تماما كما فعل علماء النحو عندما وضعوا قواعد تحفظ الإنسان من الخطأ في كلامه وكتابته .
المنطق .. هو العلم الذي تم وضعه لهذا الغرض ( تصحيح الفكر الإنساني وحفظه من الوقوع في الأخطاء ) 
المنطق من العلوم الرائعة والمهمة فغايته مزدوجة: يصحح فكر الإنسان  .. ويرشده إلى مواطن القوة والضعف في فكر الآخر.
في هذه المقالة سنتحدث عن النواة الأساسية في التفكير العقلي والمباديء الاولية التي تمثل اساس اي تفكير إنساني واستدلال منطقي  .

 

قوانين الفكر الأساسية
بما أن المنطق يبحث في التفكير الإنساني , وخصوصا الإستدلال , فكان من الطبيعي أن يهتم أولا بتحديد القوانين الأساسية العامة التي يسير على ضوئها العقل اثناء تفكيره واستدلاله حتى لا يقع في متاهة الأخطاء .
أرسطو ( المعلم الأول ومؤسس علم المنطق ) استخرج لنا هذه القوانين وتبعه على ذلك جميع المناطقة الى يومنا هذا  ( إلا بعض المحدثين  ) .. وهي قانون الهوية - قانون عدم التناقض - قانون الوسط الممتنع .

 قانون الهوية : وهو يقرر أن الأشياء ثابتة لا تتغير , اي أن لكل شيء حقيقة جوهرية ثابتة مهما اختلفت صفاته العرضية , فالإنسان هو الإنسان , والحيوان هو الحيوان , وأنا هو أنا بصفاتي الذاتية الحقيقية مهما طرأ علي من تغير في جسمي أو لوني أو أفكاري أو أخلاقي أو في حالتي من سرور أو حزن وما شابه 
فالحقيقة واحدة مهما اختلفت صفاتها , ويرمز لهذا القانون بهذا الرمز عادة : " أ " هو " أ " أو  أ = أ
أي الشيء هو ذاته ولا يمكن أن يكون غير ذلك .

2- قانون عدم التناقض : وينص على أن الشيء لا يمكن أن يتصف بصفة ونقيضها في آن واحد ومن جهة واحدة ويرمز له بالرمز " أ " لا يمكن أن يكون " ب " ولا " ب " في نفس الآن ومن جهة واحدة .
فلا يمكن أن نقول ان هذه الفكرة صحيحة وغير صحيحة مطلقا , أو أنني ماش وجالس كذلك .

3-  قانون الوسط الممتنع ( الثالث المرفوع ) : ويقرر أن الشي إما أن يوصف بصفة أو نقيض الصفة ولا وسط ( ثالث ) بين النقيضين .
ويركز له بالرمز " أ " إما أن تكون " ب " أو لا " ب " ولا ثالث لهما .. فإما أن تكون مفكرا أو لا إذ لا وسط

لنحاول أن نأتي بمثال لنطبق عليه هذه القوانين حتى تتضح أكثر
في العصر العباسي ظهرت فئة من الناس عرفوا بالحادهم  ولم يكونوا من الجهلة بدأوا يجادلون هذا وذاك ويوسعوا دائرة التشكيك ونشر ما يعتقدونه .. من هؤلاء شخص يدعى عبد الكريم بن أبي العوجاء
وقد كان في أول أمره تلميذا عند الحسن البصري ثم تركه وانحرف عنه , قيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة ؟! قال : إن صاحبي كان مخلطا يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر فما اعلمه اعتقد مذهبا دام عليه .مشكلة ابن أبي العوجاء هذا أنه كان ربيبا لأحد أئمة السنة الكبار في وقته وهو حماد بن أبي سلمة وكان حماد لا يحفظ أي ذاكرته ضعيفة فكان ابن أبي العوجاء يستغل ذلك ويضع أحاديث في كتبه حتى أنه قال قبل إعدامه : " أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلَّ فيها الحرام والله لقد فطَّرْتكم يوم صومكم وصوّمتكم يوم فطركم"
ومن أمثلة أحاديثه التي وضعها ( وهذا غالب الظن ) للقرآئن على ذلك حديث روي عن حماد : " أنَّ النبي صلى الله عليه وآله سئل أما تكون الذكاة إلاَّ في الحلق أو اللِّبَّة ؟ فقال : لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك" .. وقد أطلت قليلا في الحديث عن عبد الكريم هذا لكي أوضح مدى كانت خطورته وكيف أنه عمل على تحريف الأحاديث ووضعها على لسان الثقات بحيث كان لها أثرها في انحراف الناس واتباعهم أحاديث مزيفه وهم يعتقدون صحتها , كما فعل سابقوه من أحبار اليهود أمثال وهب بن منبه وعبد الله بن سلام وغيرهم غير أن هؤلاء كان خطرهم أكير وأعمق منه بكثير .
ولنرجع إلى مقصودنا
ابن أبي العوجاء هذا كان له مع الإمام جعفر الصادق عليه السلام  أكثر من حوار .. منها :
انه اجتمع يوما ما بالإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه وتجاذبا اطراف الحديث إلى أن قال له الإمام عليه السلام :
فقال له الصادق (عليه السلام) فما يمنعك من الكلام؟

قال: إجلال لك ومهابة، ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء، وناظرت المتكلمين، فما تداخلني هيبة قط مثلما تداخلني من هيبتك.

فقال الصادق (عليه السلام): يكون ذلك، ولكن أفتح عليك سؤالاً، ثم أقبل عليه فقال له: أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟

فقال له ابن أبي العوجاء: أنا غير مصنوع.

فقال له الصادق (عليه السلام): فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون؟ فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا وولع بخشية كانت بين يديه وهو يقول:

طويل عريض، عميق قصير، متحرك ساكن، كل ذلك من صفة خلقه.

فقال له الصادق (عليه السلام) فأن كنت لم تعلم صفة الصنعة من غيرها، فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور.
فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسالني أحد عنها قبلك، ولا يسالني أحد بعدك عن مثلها
 ولنطبق ما عرفناه من القوانين الثلاثة على هذا المثال ..
قول الإمام عليه السلام : أمصنوع أنت أم غير مصنوع , يريد أن يقرر في الحقيقة مبدأ الهوية الذاتية لأن أساس البناء الإستدلالي وقبول أو عدم قبول الدليل إنما هو مبني على ثبات هذا المبدأ .
فإذا ثبت أنه مصنوع بالدليل فهو مصنوع .. معنى ذلك أن المصنوع مصنوع ولا يمكن أن يكون غير ذلك , أي ان حقيقة المصنوعية ثابتة لا يمكن أن تتغير , فطالما أن سمات المصنوعية قائمة في شيء فهو مصنوع , فإذا سلم الخصم المجادل بهذا يتم الإنتقال إلى مستوى أرقى من الإستدلال والذي يؤدي إلى مطلوب فاتح الحوار ( الإمام سلام الله عليه ) , ولأن المحاور ( ابن أبي العوجاء ) علم ما سيؤول إليه الجواب إذا كان بالإيجاب بادر بالنفي : أنا غير مصنوع .. هربا من نتيجة الإيجاب الملزمة له .. لكنه أوقع نفسه فيما لا مهرب منه .. لأن انكار مبدأ الذاتية : المصنوع هو المصنوع يؤدي إلى التناقض ( وهو القانون الثاني من قوانين الفكر الأساسية ) فلا يمكن أن يكون المصنوع غير مصنوع .. لذلك كان رد الإمام سلام الله عليه ردا في غاية الإحكام قال له : " فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون ؟"
سؤال ليس له جواب إلا مايلزم الخصم وينافي ما قاله ويثبت مطلوب الإمام سلام الله عليه . وذلك لعدم وجود احتمال ثالث فلا وسط بين المصنوعية وعدمها ( وهو القانون الثالث من قوانين الفكر الأساسية )
وهي قوانين لايمكن النقاش فيها أو نقضها لذلك تجد أن ابن أبي العوجاء لم يحاول نقض هذه القوانين إطلاقا أو الرد عليها .
الخلاصة :
أنك مصنوع وبناء على قانون الهوية فحقيقة المصنوعية قائمة فيك لا تتغير , فلا يمكن أن تكون مصنوعا وغير مصنوع لأن هذا خلاف قانون الهوية . وما خالف قانون الهوية مؤد إلى التناقض لامتناع وجود وسط بين طرفي النقيض . فإما أن تكون مصنوعا أو غير مصنوع ولا ثالث . ولثبوت المصنوعية بالدليل ( آثار الصنع ) فثبت أنك مصنوع .. وهو المطلوب .

وهناك أمثلة عديدة في الإحتجاجات والمناظرات التي دارت بين الأئمة عليهم السلام والمخالفين نستطيع تطبيق هذه القوانين عليها وغيرها من مسائل علم المنطق .. ولعلنا نحاول توضيح بعضها في مقالات أخرى ان شاء الله تعالى

هناك 12 تعليقًا:

  1. شكرا جزيلا على الشرح المبسط.

    ردحذف
  2. شكرا لك اشرح الوسط المرفوع اكثر

    ردحذف
  3. كيف تريدني تقبل شرحك اللا منطقي عن المنطق

    ردحذف
    الردود
    1. لم تبين ما هو غير المنطقي في الشرح .. مجرد ادعاء خال من التدليل

      حذف
  4. بدي الخاتمه كيف اختم موضوعي

    ردحذف
  5. فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون ؟ مثل الانسان الآلي

    ردحذف
    الردود
    1. راجع المقالة جيدا.. الملحد يدّعي انه غير مصنوع مع ان أمارات الصنع موجود فيه وهي التركيب فقال له بما انك غير مصنوع وغير مركب فصف لي المصنوع كيف يكون ؟؟ فهنا الإمام لم يجعل له أي خيار غير التسليم بأنه مصنوع كالإنسان الآلي وغيره من المصنوعات والمركبات .

      حذف
  6. الردود
    1. الكاتب اسمه حسام الدين

      حذف