السبت، 16 نوفمبر 2024

الهدف من الخلقة .. وكيفية تحققه

 

" وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ "

في هذه الآية الكريمة عدة أبحاث هامة  .. نأتي على ذكرها باختصار .

أولا : الحرية الإنسانية في اختيار الفكر والعقيدة ..
الله تعالى خلق الإنسان وكرّمه بالعقل وحرية الإختيار .. فله أن يختار ما يشاء ويعتقد بما يريد .. لذلك قال تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة " جعلا تكوينيا وانقيادا قهريا .. لكن ذلك يستلزم نقض الغرض وانتفاء الهدف من الخلق والتكليف والإبتلاء  .. 

قال تعالى " ولا يزالون مختلفين " لأن الإختيار بيدهم ولو كان متعلقا بالله تعالى لما اختلفوا .. 
وهذه من أعظم نعم الله على الإنسان .. فالله تعالى يتعامل مع الإنسان بكامل التقدير والإكبار والإجلال والإعظام  ..


ثانيا : هناك طريق واحد يوصل لله تعالى .
" ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " 
فمع كل هذا الاختلاف هناك طريق واحد ليس فيه اختلاف وهو الطريق الوحيد الموصل للهدف ..
فالحق واحد لا اختلاف فيه 

ثالثا : عدم سلوك الطريق الذي عينه الله تعالى هو سبب الإختلاف العقائدي للناس .
" ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " 
مادام الإنسان بعيدا عن الطريق الذي عينه الله تعالى للنجاة فسيظل غارقا في بحور الظلمات يخرج من ظلمة إلى أخرى وهو يحسب أن نجاته في اختياره .

رابعا : اختصاص الرحمة الإلهية بمن سلك الطريق المعين من قبل الله تعالى ..
" إلا من رحم ربك " 
فالذي يستحق النجاة والرحمة الإلهية هو من سلك الطريق الذي عينه الله تعالى ..
ولم يخترع طرقا وشرائع وقوانين من تلقاء نفسه .

خامسا : قاعدة اللطف الإلهي وعلاقتها بالآية الكريمة ..
مفاد القاعدة التي يستدل بها المتكلمون لإثبات وجوب بعث الرسل .. 
أن البشر من تلقاء أنفسهم لا يستطيعون أن يحققوا الهدف الذي خلقهم الله تعالى لأجله 
فبدون هداية الله تعالى لا يمكن أن يصلوا 
لذا كان من رحمة الله تعالى ولطفه أن أرسل إليهم من يأخذ بيدهم ويريهم الطريق الذي فيه نجاتهم ..
وهنا الآية الكريمة تؤكد ذلك فجعل الله تعالى الرحمة في الإجتماع وعدم الإختلاف .. وهذا لا يتحقق إلا بوجود إنسان كامل لا يصدر منه ما يحتمل معه الخطأ في تحقق الغرض الإلهي من الخلق ..

سادسا : أن الرحمة الإلهية هي هدف خلق الإنسان ..
ويتبين من الآية الكريمة أن هدف الخلقة ليس تحقق الإختلاف بل الإجتماع الذي يكون علة لتحقق الرحمة الإلهية وهي الهدف النهائي للخلق ..


سابعا : وجود الإنسان المعصوم هو الضمان لعدم حصول الإختلاف وبالتالي هو سبب تحقق الرحمة الإلهية ..
لأنه لو لم يكن معصوما لما امتنع الإختلاف 
وبالتالي لما تحققت الرحمة الإلهية بما يستتبع عدم تحقق هدف الخلقة وهو محال ..
وبذا يتبين أن الرحمة الإلهية تتوقف على الإجتماع والإجتماع يتوقف على وجود الإنسان المعصوم .. 

عدم وجود الإنسان المعصوم يعني استمرار وجود الإختلاف .. لتباين مستويات الإدراك 
ولاختلاف الأهواء والمصالح .. وللجهل بالواقع 

وفي الحقيقة جميع أسباب الإختلاف أساسها الجهل ..

فوجود الإنسان الكامل أي المعصوم يمنع أي خلاف للوصول إلى الحقيقية ..
وشرط اتباعه غني عن البيان ..
لأن مجرد وجود المعصوم بدون اتباعه لا يمنع من الإختلاف ..
لذا قال تعالى " إلا من رحم ربك " من الوقوع في الإختلاف وذلك لايكون إلا بوجود الإنسان الكامل المطلع على الواقع المسدد والمؤيد من قبل الله تعالى ..
واختياره يكون بيد الله تعالى لأنه لو كان بيد غيره استلزم الدور أو التسلسل وهما محالان

لأن اختيار الإنسان الكامل لابد وأن يقع من كامل فلو كان الذي اختاره كاملا فمن أين حصّل كماله إلا عن طريق إنسان كامل 
فوجود الإنسان الكامل - على هذا - متوقف على وجود إنسان كامل فإن كان نفسه دار وإلا تسلسل ..
وهناك وجه آخر ..
 اختيار الإنسان الكامل المعصوم لابد وأن يكون من قبل كامل فلو كان الذين اختاروه كاملين فمن أين تحصّلوا على هذا الكمال فلا يخلو إما أن يكون من قبل الله تعالى أو من قبل أنفسهم فإن كان من قبل الله تعالى فهو خلاف الفرض من أنهم ناقصون لذلك يختلفون ويحتاجون لمن يوحد طريقهم ويهديهم للحق تعالى  وإن كان من قبل أنفسهم فهذا خلاف قانون العليّة وبالتالي خلاف قانون عدم التناقض ..

والإختلاف المنفي إنما يتعلق بالمعرفة الإلهية وصفاته تعالى وما يترتب على ذلك من تكاليف وبيان لهدف الخلقة ومعاد الإنسان ورجوعه لله تعالى ..

لأن الإنسان بمفرده لا يستطيع تمييز ذلك وإدراكه كما يريده الخالق تعالى ..

ولما كان ذلك لا يتحقق إلا بوجود المعصوم كان وجوده علة لتحقق الرحمة الإلهية التي هي هدف الخلقة ..
فعدم وجوده يعني عدم تحقق الهدف بالتالي يكون وجود هذا العالم عبثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ..

ثامنا : ضرورة وجود الإنسان المعصوم مادام هناك بشر ..
لأن الحاجة باقية كما أوضحناه .

تاسعا : علة بقاء العالم المادي هو وجود الإنسان المعصوم .. وبرحيله ينعدم ..

لأن هدف الخلقة وهو الرحمة الإلهية متوقف على الاجتماع على الحق وهو متوقف على وجود المعصوم .. مما يعني أن عدم وجود معصوم على الكرة الأرضية يستلزم عدم تحقق الهدف من الخلق بالتالي لا معنى لوجود هذا العالم .. ولذا يؤول للعدم .


والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق