الأحد، 17 نوفمبر 2024

معالم المنهج المعرفي في القرآن الكريم

 


الآية الكريمة تحثنا على اتباع الأحسن في العقائد والأفكار .. لكن ماهي معالم هذا الأحسن وكيف نميزه عن غيره ؟


أولا : الله تعالى في هذه الآية الكريمة يعلمنا أن نفرّق بين القول والقائل .. 

وأن يكون اهتمامنا منصبا على القول لا القائل

وينتج من ذلك عدة قواعد ينبغي التنبه لها ..


الأولى : لا عبرة بمقام القائل .. فلو كان القائل أعلم العلماء لكن قوله لا برهان عليه فلا قيمة لقوله ..


الثانية : الكثرة والقلة لا قيمة لهما أيضا كذلك


الثالثة : لا أهمية للعمر أو الجنس أو اللون أو البيئة وما أشبه من هذه العوارض في تقبل الفكر الصادر عنهم مادام عليه دليل وبرهان


الرابعة : ضرورة الرجوع لمصدر القول الأصلي لا لوسيط ينقل عنه .. سواء كان تابعا أو ناقدا

إلا مع إحراز الأمانة في نقل الوسيط .


الخامسة :  بمقالة الإنسان يُستدل على مدى كمال أو نقصان عقله .



ثانيا :  يعلمنا الله تعالى أن نفكر لكي نصل إلى أحسن الأقوال .. ويلزم من ذلك عدة قواعد أيضا ..


الأولى : الإحاطة العلمية بالقول الذي نضعه موضع الفكر والتأمل والنقد ..

وهذا يشمل الإحاطة التصورية والتصديقية .


الثانية : فهم القول كما عناه أهله لا كما نريد أن نفهمه نحن .. 


الثالثة : تجنب التقليد .. فمن يعتاد على تقليد الغير وتسليم زمام عقله لآخرين لن يستطيع أن يُعمل عقله ويفكر ليصل إلى الأحسن والأكمل .


الرابعة : تجنب الهوى والعاطفة في تفكرنا ونقدنا لأي فكر  .. أي يجب أن يكون نقدنا موضوعيا حياديا بعيدا عن ميولنا وأهوائنا ..


الخامسة : أن يكون الهدف من النقد والتفكير 

لا مجرد النقد أو التباهي بقوة الفكر أو الجدال أو أي غاية غير غاية الوصول للأكمل والأحسن .. 


السادسة : أن التفكير والنقد بهدف الوصول إلى أكمل العقائد وأحسنها يكون سببا للهداية الإلهية والرعاية الربانية ..


السابعة : أن الهداية تتعلق بما يكشف الواقع 

ويحدد الإتجاه الصحيح  ..والقانون الذي يميز الواقع عن غيره والصحيح عن غيره .. قانون عدم التناقض .. فهو أساس أي برهان وبه يتميز الواقع والصحيح عن غيرهما ..

ولازمه الهداية ولازم ضده الضلال  ..


ثالثا : يحثنا الله تعالى على اختيار الأحسن دائما .. فما المقصود بذلك ؟


هناك ثلاث وسائل للمعرفة حددها القرآن الكريم : 

الحس 

العقل

القلب 

هذه النوافذ الذي يملكها الإنسان لكي يدلف من خلالها للمعرفة وكشف الواقع ..


وقد أرشدنا الله تعالى إلى تطبيقات عملية في كتابه الكريم ..

ففي مجال الحس قال تعالى : 

" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالقين "


وقال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام في ملاحظاته الحسية لحركة الكواكب والنجوم : " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ *

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ *

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ"


وفي المجال العقلي قال تعالى : 

" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ "


وقال تعالى : " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ " 


وفي المجال القلبي قال تعالى : 

" الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" 


وقال تعالى : 

" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " 


فكل أداة منها تدل على ما يناسبها .. وكذلك لكل منها طريق ومنهج وعلوم تخصها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق